كتاب التحدي للملك الحسن الثاني


أولا:
المحور-الكتاب الأول


يتكون المحور/الكتاب الأول ممن ستة مباحث تتعرض بالتحليل والنقاش لظروف المغرب السياسية والاجتماعية في عهد الحماية، من منظور أمير مغربي اتقدت نفسه حماسا ووطنية منذ أن وغي مفهوم الوطنية في صغره، في كنف والده جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، إلى أن تحقق استقلال المغرب وعادت الأسرة المالكة من المنفى إلى أرض الوطن.
المبحث الأول: استعرض خذا المبحث مفهوم الحماية في دلالته الدقيقة، إذ يعني "وضع دولة تحت سلطة دولة أخرى، لا سيما في كل ما يخص صلاتها الخارجية وأمها".


ويعد موقع المغرب الاستراتيجي الهام منفذا تتطلع إليه أطماع المستعمر في الشرق والغرب خاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، والمغرب بالرغم من دفاع ملوكه عن استقلاله وحريته وقتالهم الأجنبي من أجل تحقيق وحدته، فإنه عاش مناورات سياسية واقتصادية كانت تستهدف تكسير شوكة ملوكه الأشاوس وأبنائه الأباة في الحفاظ على استقلال بلادهم ومواجه "تكتل القوى الرهيبة ضده".


بوفاة السلطان المولى الحسن الأول وتنصيب ابنه المولى عبد العزيز سلطانا على المغرب، وهو لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره تمكنت القوى الأجنبية من الاستفادة من "نقص خبرة هذا الفتــــــى"، (8) لتوقع المغرب في شبكة مكيدتها، ولتفرض عليه حمايتها، بل ولتوزعه غنيمة بينها إلى ثلاث مناطق:


- حماية إسبانية في الشمال.
- حماية فرنسية في أغلب التراب الوطني.
- حماية دولية في مدينة طنجة.


وبطبيعة الحال، فإن تمزيق المغرب بين القوى الاستعمارية المؤمنة بالحرية سيشعل فتيل الحرب بين المغاربة والأجنبي في أشكال مختلفة، تارة حربا ميدانية وأخرى حربا نفسية تكشف عن كره المغاربة للمستعمر وعن ثورتهم ضد تدخل الأجنبي، وكان المستعمر يشعر بذلك مما جعل المارشال ليوطي يقول سنة 1916" "في المغرب" وجدنا أنفسنا أما إمبراطورية تاريخية ومستقلة إمبراطورية غيورة كل الغيرة على استقلالها، ثائرة على كل استعباد أو إخضاع لها".
ويعيش المغرب فترات مظلمة قاسية في عهد الحماية ناضل خلالها واستمات في سبيل حريته واستقلاله مستنيرا بهدي ملكه المناضل جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، كما هو راسخ في ذاكرة الشعب المغربي، وقد أشار جلالة الملك الحسن الثاني في قائمة هذا المبحث إلى هذا بقوله: " إذا كان التوفيق قد حالفنا حتى تغلبنا عليها – أي على المشاكل السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية – فإن هذا التوفيق إلى أن شعبنا اهتدى إلى طريق المحافظة على الإيمان برجل كان رمزا للإيمان بأتم معانيه، ذلك الرجل هو أبي".


المبحث الثاني:وجعل له جلالته عنوانا "أبي" ويمثل هذا المبحث شهادة حب ووفاء لأب ملك ناضل وقاوم بكل الوسائل خطط المستعمر الجهنمية ذات الأشكال المتعددة في طمس معالم المغرب الموحد، مرة في التفريق بين المغاربة من خلال "الظهير البربري" أو في نخبوية التعليم مرة أخرى، فجلالة السلطان محمد الخامس رحمه الله كان يرى "بأن العليم له مركز الصدارة في قائمة احتياجاتنا". 


ويطبع حديث المؤلف عن مواقف الملك الوالد روح الوفاء والصدق، لقد كان الملك الأب يعمل علة تنشئة وطنية نضالية، تنشئة فيها الكثير من تحمل المسؤولية منذ أن اختار له اسم جده الحسن أدركها الابن لأمير فيما بعد، "إذ أن إطلاق اسم الحسن علي يحملني منم أعباء ثقيلة لم يكن بطاقتي أن أنهض لها لولا معونة أبي إياي، ولولا تجاربه وخبراته وقوة روحه ومضاء عزيمته". 


ويستعرض المبحث في إيجاز بعض مراحل حياة الشاب الأمير، وما اعتراها من أحداث وطنية ضد الحامي الأجنبي، ولعل أهم حدث سيمهد للمبحث الثالث هو لقاء آنفا التاريخي سنة 1943.

المبحث الثالث: ويلخص وقائع "لقاء أنفا" وما أعقبه من أحداث، تحت عنوان: "لتحقيق الإصلاح لا بد من الاستقلال".
أهم الوقائع التي تناولها هذا المبحث وثيقة الاستقلال سنة 1944، ومخطط "إيريك لا بون: الثلاثي سنة 1946، وخطاب طنجة سنة 1947، هذا الخطاب الذي أثار غيظ الفرنسيين، وألهب جذوة معركة الاستقلال بقيادة الملك محمد الخامس "الذي كان يدرك أن بجانبه عبا برهن على وفائه في كل اختبار، وأننا لا بد في النهاية أن نصل إلى النصر". 


المبحث الرابع: ويختص بالحديث عن "المؤامرة" التي حاكها المستعمر لنفي محمد الخامس والأسرة الملكية يعدا عن الوطن، مشيرا إلى كل المضايقات والاستفزازات التي كان يتعرض لها السلطان محمد الخامس وابنه الأمير مولاي الحسن، مؤكدا خيبة المستعمر في كل ذلك، فجلالة الملك يعلن "أن إدانة القومية المغربية إدانة لذاتي، وتخل من طريفي عن صفة الملك المضمونة في معاهدة فاس"،  وتكتمل خيوط المؤامرة الاستعمارية بنفي الملك البطل والأميرين الجليلين مولاي الحسن ومولاي عبد الله خارج الوطن في 20 غشت 1953.


المبحث الخامس: وعنوانه: "الابتلاء"، ويستعرض فيه المؤلف جلالة الملك الحسن الثاني ظروف الإقامة في المنفى ومعاناة الأسرة الملكية من قسوة وجور المعتدي بعيدا عن الوطن.


وبالرغم من ذلك، فإن "الملك كان دائم التفكير في شعبه الذي يعاني الشدائد، متألما كذلك من التهم الباطلة التي كانت تنشرها الصحافة في فرنسا والمغرب، وفي وقت كان فيه أسير ومحروما من حق الرد والتصحيح". 


وبتحقيق لجنة فرنسية مغربية سنة 1959، تأكد للرأي العام الفرنسي وللإقامة العامة بالمغرب أن "الجماهير المغربية الشعبية متعلقة بالسلطان المنفي تعلقا أخذ يوما بعد يوم طابع الحب الصافـــــــــي". 


وضاعف من غضب المقيم العار الفرنسي حدثان رئيسيان:


- نداء القاهرة الذي كان صرخة مدوية أرسلها الزعيم علال الفاسي من إذاعة صوت العرب.
- هجوم الشهيد علال بن عبد الله على بان عرفة وهو في طريقه إلى الصلاة بمسجد أهل فاس.


كان هذان الحدثان ملهفين لحماس المغاربة، فكانت المقاومة المسلحة والمظاهرات، والشعارات المناوئة للمستعمر والمتمسكة بعودة الملك إلى عاصمة ملكه، ولم يكل الحل غير العودة المظفرة لجلالة الملك إلى وطنه معززا مكرما يوم 16 نونبر 1955.
المبحث السادس": وجعل له المؤلف عنونا "الأمة المغربية" تأكيدا لعرى الالتحام بين العرش والشعب على مدى التاريخ، إذ لم يستطع التعذيب والتنكيل ولا إبعاد السلطان عن العرش أن يزعزع كلا الطرفين بالآخر، فالشعب متعلق بأهداب العرش العلوي، والسلطان متشبث بشعبه مدافع عنه.


لذا، فقد كان استقلال المغرب السياسية نقطة البداية في العمل من أجل تحقيق استقلالات أخرى تتغيا بناء مغرب مستقل قوي، يقول جلالة المغفور له محمد الخامس في تصريح له سنة 1958: "إننا لا نبني للحاضر فقط، ولا لأبناء الجيل الحالي وحدهم، ولكننا نبني لخير الأجيال المقبلة، ونسعى بذلك لحفظ كيان الدولة، وضمان وجودها واستمرارها".

ثانيا:
المحور/الكتاب الثاني


يعني المحور الثاني من الكتاب بالحديث عن المغرب حاضرا من حيث كونه بلدا يسعى حاكمه وهو جلالة الملك الحسن الثاني إلى جعله بلدا يتمتع بكل حقوقه الدستورية في ظل ملكية دستورية ونظام ديموقراطي، وتتوزع هذا المحور مباحث ستة:


المبحث الأول: روح الدستور


يتناول المبحث بيان الظروف السياسية التي دعت المغفور له محمد الخامس وخلفه بعده جلالة الملك الحسن الثاني إلى رسم نص "الخطوط الرئيسية لبيان دستوري مستند إلى أسس واقعية كفيلة بتوحيد كل المواطنين، والقضاء على التفرقة". 


 ويستعرض المؤلف بعض فصول الدستور الرئيسية فيما يتعلق بنظام الحكم بالمغرب، والسيادة للأمة والأحزاب السياسية والمنظمات النقالية، إضافة إلى أن الدستور يضمن للمواطنين الحريات والحقوق المنصوص عليها في فقراته".

وينص الدستور في فصله التاسع عشر علة أن "الملك أمير المؤمنين"، والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حنى الدين، والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق المواطنين والجماعات والهيئات".


وقد تم إقرار الدستور عن طريق الاستفتاء الشعبي بعد أن تم تعديل فصوله ثلاث مرات، الأولى سنة 1962، والثانية سنة 1970، والثالثة سنة 1972.

المبحث الثاني: الحدود


يقول جلالة الملك: "كان وجبنا الأول هو إعادة تكوين الوحدة الترابية للمملكة، وكان من الأمور الملحة إخلاء القواعد العسكرية".
 لذلك، فقد كان جلالة الملك حريصا على إخلاء القواعد العسكرية الأجنبية تحقيقا لوحدة المغرب الترابية.

وإذ رفضت إسبانيا إخلاء الأراضي الصحراوية أواخر الستينات، فقد ارتأى جلالته أن الدعوة إلى السلام والمصالحة مع اسبانيا أجدى نفعا وأكثر دعما لأواصر الصداقة بين المملكتين المغربية والإسبانية، وفعلا، فقد تحقق تحرير الصحراء المغربية في ظروف سلمية، ويرى جلالة الملك مؤلف كتاب التحدي: "أن الأمل كبير بأن تأتي يوم يعترف فيه أن سبتة ومليلية وجزر ساحل الريف كذلك أراض مغربية، وأننا بمنأى عن التهديد. واستجابة لداوعي الحس السليم والعقل والصداقة كذلك، لم ننقطع ولن ننقطع عن توجيه هذا النداء". 


أما فيما يتعلق لقضية الحدود، فقد رفض المغرب توقيع اتفاقية الحدود المغربية الجزائرية مع فرنسا قبل بانتهاء الحرب التحريرية الجزائرية ورأى – أي المغرب – أن "تحديد الحدود الترابية بين المغرب والجزائر تعنيهما وحدهما، ولا يمكن تسويتها إلا بين الدولتين بعيدا عن كل ادعاء". 


ويفصل المؤلف الحديث عن اتفاقية أبرمت بين الدولتين، الجزائر والمغرب في 1961، وعن مشروع اتفاقية أخرى لم تنجح سنة 1963، إثر تراجع الجزائر في موقعها في قضية الحدود، لكن المغرب بإيثاره السلام على الحرب لآمن بحل المشكل عن طريق المفاوضات المباحثات، فكانت مباحثات تلمسان سنة 1970، لتسوية المشكل.


إن الدفاع عن قضية المغرب في استرجاع أو في تحديد حدوده الترابية مع الدول الإفريقية الصديقة عن طريق السلم والتعاون لا يعني التفريط في حقوقه، بل إن ذلك يعني الاسترشاد بما جاء في كتاب الله العزيز، وفي حديث نبيه الكريم لبناء مستقبل واعد.

المبحث الثالث: الأرض والشعب


يتناول المؤلف في هذا البحث واقع تزايد السكان في المغرب،و ما يلازمه من مشاكل أهمها "قضية ضمان العيش الكريم للجماهير الشعبية، وفي مقدمتهم الفلاحون".


لقد اهتم المؤلف بالحديث عن ظروف الفلاحة في المغرب منذ الثلاثينات إلى اليوم مبرزا جهود الفلاحين رغم بساطة التجهيزات وقلة الإمكانات مشيرا إلى التطورات التي حصلت في ميدان الفلاحة باسترجاع أراضي المعمرين والإصلاح الزراعي والتعاونيات الفلاحية، والصندوق الوطني للسلف الفلاحي، إضافة إلى اعتماد سياسة السدود لري المناطق الفلاحية، وكلها مشاريع تنموية هادفة إلى تحسين وضعية الفالح وإلى الزيادة من إنتاج الأرض المعطاء.

المبحث الرابع: في التعليم


يظهر أن موضوع التعليم من أكثر الموضوعات تعقيدا وتشعبا في أية دولة تعاني نفس ظروفنا ونفس مشاكلنا، لذا فقد تناول المؤلف الحديث عن موضوع التعليم مند الثلاثينات، مشيرا إلى عدد التلاميذ والطلاب، وإلى لغة التعليم ومادته، حيث كان "التعليم – مثل الإدارة – مفرنسا بصورة منهجيــــــة". 


إن إهمال اللغة العربية "وطردها عمليا من المدرسة ومن حياة المواطنين لم يكن يشعر به كإهانة جماعية فحسب، بل كذلك كظلم لا يمكن فيه ولا تعليله لنا، فإن العناية بالتعليم في جميع مراحله كان أهم موضوع شغل فكر محرر البلاد جلالة المغفور له محمد الخامس، وفكر خلفه جلالة المنصور بالله الحسن الثاني، فتحدث المؤلف عن التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وعن ظروف كل نوع وواقعه وآفاقه.


أما الثقافة، فتحظى بعناية خاصة، يقول المؤلف: "إننا جهدنا ونجهد لكي نوسع معارف الشعب المغربي في كل ميادين المعرفة الثقافية".


ويتجلى الواقع الثقافي المغربي في فتح الخزائن العامة والملكية أمام الطلاب، وفي إنشاء معاهد الموسيقى والفنون كالرقص والغناء، وفي تشجيع الفرق المسرحية، وفي إسهام السينما والتلفزيون، في تنمية القدرات الفنية لأبناء الشعب، وإن كان النقص واضحا فيما يتعلق بالسينما والتلفزيون "فإننا نأسف على الضعف وعلى الذوق السخيف وعلى الأذى المتجلي في بعض البرامج". 


 وتدارك هذا النقص لن يتم إلى عن طريق الاستفادة ممن الأحداث الوطنية والبطولية والمناظر الطبيعية لتكون موضوعات أقلام تجارية ناجحة.

أما التربية البدنية، فإن الاهتمام بها اتخذ أشكالا متعددة، منها إقامة الملاعب والمعاهد الرياضية، ومضاعفة مخيمات العطل والعمل من أجل مشاركة الفرق الرياضية المغربية في الألعاب العالمية.


ولازدهار الرياضة في أقطار المغرب العربي أنشئ سنة 1975، مجلس علمي في بلاد المغرب الكبير "بهدف وضع منهجية لشؤون الشبيبة والرياضة". 


المبحث الخامس: السكنى لأكبر عدد


مهد المؤلف للحديث في الموضوع بالإشارة إلى مشروع المارشال ليوطي في "انتهاج سياسة ودية لاتجاه المغرب الكبير فحسب، بل كذلك تجاه كافة البلاد العربية والإفريقية". 


 وكذلك بالإشارة إلى سياسة استثمار خيرات الأراضي، وإرضاء الأوروبيين المقيمين في المغرب بتوفير وسائل العيش الرغيد ووسائل التنقل وغيرها.

لقد كانت سياسة المستعمر سياسة تعتيم وتفقير أورثت المغرب المستقل مشاكل سكنية منها مشاكل مدن القصدير التي تنامت بفعل هجرة سكان البوادي إلى المدن.


وبعد الاستقلال، اتجهت العناية إلى خلق مناطق لتجهيزات سكنية تشرف عليها وزارة التعمير والسكنى والمحافظة على البيئة، ثم كان مشروع تجهيز أراضي السكنى في مخطط 1973-1977، ثم مخطط 1978-1982، لتمليك المساكن للناس وتشجيعهم على ذلك، ولا يفوت المؤلف أن يتحدث عن إعادة بناء مدينة أكادير بعد أن أصباها الزلزال سنة 1960، والتي أصبحت كما وصفها أجنبي بقوله: "إنها تمثل وحدة هندسة رائعة".

المبحث السادس: المنجزات والحقائق


يستعرض فيه المؤلف واقع المغرب بعد الاستقلال، والتوجهات التي كانت تغرر بأبنائه وشبابه، انعكست آثار ذلك على وضعية البرلمان سنة 1965، لكن حصافة رأي الملك وثقته بشعبه جعلناه يعمل من أجل "قيام عهد تتم خلاله تبديلات جذرية اقتصادية واجتماعية". 


 ويفصل المؤلف الحديث عن ميزان المدفوعات في سنوات 1974-1977، مثبتا أن نتائج السياسة الاقتصادية والاجتماعية قد أتت ثمرتها طبية، وأن إنتاج الفوسفاط قد وفر المغرب رصيدا لا باس به من العملة الصعبة وتتحقق إنجازات كثيرة في ميادين مختلفة منها: الاستثمارات البحرية، صناعة السفن والأساطيل التجارية، والصناعة التقليدية والسياحة.

أما هجرة العمال المغاربة إلى الخارج، فإنها تعود بفائدتين: توفير العملة الصعبة، واكتساب الخبرة المهنية.
ويخلص المبحث إلى الحديث عن المذهب الاقتصادي والاجتماعي المغربي والمتمثل في:
1- المشاركة: أي مشاركة الحكومات ومشاركة المشاريع الخاصة لمساعدة مواطنينا.
2 – الانتقاء والاصطفاء: "فالاصطفاء المزدوج في الاستثمارات والمنجزات هو الذي سمح لنا في وقت واحد أن نخلق فرص عمل وأن نحتفظ بميزان تجاري رابح". 


3- التوازن: ويحرص المؤلف في توضيح هذه النقطة على "مردودية الإنتاج التي تسمح بتوازن اقتصادي ومالي واجتماعي وجهوي".  وبذلك، فإن المناطق المغربية واحدة لا فرق بين شمال وجنوب ولا شرق وغرب في الحصول على احتياجاتها أو طلباتها.


ويهتم المبحث الأخير بمنجزات المغرب في الميدان الطبي، أهمها إنشاء أول كلية للطب سنة 1960، والمركز الجامعي الصحي بالرباط "ابن سينا" وتكوين الصيادلة المغاربة بالخارج، و|نشاء مصانع الأدوية المتخصصة، وإنشاء المستشفيات والمؤسسات الصحية الحضرية والقروية، "عن تقدمنا الديموغرافي – يقول المؤلف – يضطرنا إلى أن نتقدم، وكل إبطاء في هذا التقدم يقودنا إلى التقهقر".

المحور/الكتاب الثالث:


يتكون هذا المحور/الكتاب من أربعة مباحث تتحدد فيما يأتي:

المبحث الأول: مهنة الملكية


عرف المغرب الملكية منذ أزيد منم اثني عشر قرنا، وبالتحديد منذ مجيء إدريس الأول إلى المغرب سنة 172هـ، فلولا ملكية شعبية لما كان المغرب أبدا".


واستشعار من المغفور له محمد الخامس الملك الأب بواجبات مهنة الملكية، كان الحديث إلى الابن البار وريث العرش عن تلك الواجبات إثر ظهور نتائج امتحانات لم تسر الابن  وشمر الابن الأمير عن ساعد الجد ليكون أهلا لحكم الشعب بالعمل الجاد في المدرسة وفي الجامعة فيما بعد، "إن مصاعب مهنة الملكية تتعلق بالطريقة التي تمارس بها".


 ويرى المؤلف أن مهنة الملك في المغرب تفرض عليه أن يعمل ويتحمل مسؤولياته كاملة، دون أن يغفل أن "الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمجالس الجماعية والغرف المهنية تسهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم".

المبحث الثاني: أخطار المهنة


يسجل المؤلف في هذا المبحث أحداث مؤامرتين حكينا ضد المغرب وسلطانه، الأولى سنة 1971، والثانية سنة 1972، لكن العلي القدير قد حفظ المغرب وسلطانه من كيد الكائدين، ويؤكد جلالة الملك أن "شعبا بمثل هذا الوفاء القوي يستحق أن يواجه ملكه من أجله أخطار المهنة".

المبحث الثالث: المسيرة الخضراء


يتناول هذا المبحث تاريخا دقيقا وشاملا لتحرير الصحراء الغربية المغربية عن طريق مسيرة سلمية خضراء، فبالاحتكام إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي حيث أقرت أن هناك روابط قانونية وروابط ولاء بين الصحراء والمملكة المغربية في أكتوبر 1975، انصرف عزم جلالة الملك إلى تحرير الصحراء متحديا كل الحواجز والعراقيل"، يقول جلالته: "ولما كانت صحراؤنا لا تستطيع أن تأتي إلينا، كان عليها أن نذهب إليها إذ كانت تنتظرنا..ومن تم تقررت المسيرة الخضراء". 


وكان خطاب صاحب جلالة الملك التاريخي بالقيام بمسيرة خضراء نحو الصرحاء حدثا له أهميته الوطنية والعالمية، حدد فيه جلالته عدد المشاركين وأنواعهم، وعدد المؤطرين، كما أنه دعا فيه المشاركين إلى التحلي بالهدوء، والاتزان والصبر وحسن المعاملة إذ لم يكن الهدف عدوانيا، وإنما استرجاعا لحق مغتصب إلى أصحابه.


يتناول المبحث أيضا الحديث عن انطلاق الجماهير الشعبية في 6 نونبر 1975، نحو الأرض الصحراوية العزيزة، مشيرا إلى أعداد المشاركين من كل إقليم، حيث تمثل المغرب بكل فئاته وبكل مناطقه في هذه المسيرة كما شاركت في هذه المسيرة وفود عربية وأجنبية دعمت قضيتنا وناصرت وحدتنا.


وتنجح المسيرة الخضراء، ويشرق فجر يوم جديد على المغرب، يشعر فيه الجميع بقياد جلالة الملك بالفخر والاعتزاز باسترجاع الصحراء في ظروف سلمية رائعة، يقول المؤلف: "إن هذه الميرة خلقت مغربا جديدا، عليه واجبات جديدة، وعليه التزامات جديدة". 


ويدعو جلالة الملك الهيئات السياسية العالمية والوفود الصحافية والأجنبية لزيارة العيون عاصمة الصحراء للتأكد من واقع الصحراء المحررة، ومن عودة الحق إلى أصحابه.


ويصدم هذا الانتصار – مع الأسف – رئيس دولة الجزائر الشقيقة، فيثير نار الحرب والعداء مع المغرب مدعيا "أن عودة الصحراء إلى المغرب يشكل تهديدا للثورة الجزائرية". 


 وبحكمة ورازنة يبعث جلالة الملك رسالة إلى الرئيس بومدين ينبهه فيها إلى أخطار الاصطدام مع القوات الجزائرية في صورة ما سمي بالبوليساريو في الصحراء المغربية، ويدعوه إلى تجنب الفتنة بين الإخوة والأشقاء لما فيه خير منطقة المغرب العربي الكبير.

المبحث الرابع: الشجرة


يظهر جليا من خلال هذا المبحث أن جلالة الملك وهو يكتب فصول كتابه التحدي، قد وظف كثيرا من طاقاته الأدبية والقانونية والاجتماعية للحديث عن المغرب على مستويات عديدة في أسلوب سلس واضح هادئ.


في هذا المبحث يلخص المؤلف فلسفة الحسنية في بناء المغرب الموحد، مغر الحضارة العريقة والمجد التالد، إنه "يشبه شجرة تمتد جذورها المغذية امتدادا عميقا في التراب الإفريقي، وتتنفس بفضل أوراقها التي يقويها النسيم الأوروبي". (44)
يرتبط المغرب بشعوب شرقية وإفريقية وغربية بروابط دموية وحضارية وثقافية، ولا يمكنه أن يتخلص من تلك الروابط أبدا، فهي تغذيه وتشعل فيه جذوة الإيمان بالماضي للانطلاق نحو المستقبل الواعد، فالمغرب شجرة ممتدة جذورها، ذلك أن الشجرة التي لا جذور لها لا تنبت ورقا ولا ثمرا، إنها شجرة ميتة".


وتحرير الصحراء أعطانا مغربا جديدا "مغرب السلام، ومغرب التعاون مغرب الصداقة، ولكنه كذلك مغرب الحرية، ومغرب الطاقة القادرة، ومغرب العزيمة والمضاء، وهذه هي خصائص مغرب المستقبل". 


تبدو من خلال هذه الأقوال روح الوفاء للوطن وللشعب وللحرية في صدق ووضوح، فجلالة الملك البن البر لشعب المغرب لن يرضى بمغرب ضعيف، متخاذل، إنه يعتز بهذا المغرب القوي الصامد، مغرب المعجزات والعطاءات.


ويخلص جلالته إلى الحديث عن سياسة المغرب الخارجية منذ شتنبر 1961، وهي سياسة تعتمد على حفظ السلام وعلى التعاون والتضامن وحسن الجوار على الصعيد العربي والإسلامي والإفريقي العالمي، وعلى صعيد دول عدم الانحياز كذلك.
وفي تحليل اتسمت لغته بالصراحة والوضوح أشار المؤلف إلى أن "أغصان الشجرة المغربية في طبعا أقرب إلى اسبانيا وفرنسا منها إلى بريطانيا وألمانيا الاتحادية"،  ويعني ذلك أن التعاون يجب أن يشمل أولا هذه المناطق لأسباب لخصها جلالته في عوامل جغرافية وتاريخية وثقافية وحضارية، ومع ذلك فإن سياسة المغرب الخارجية سياسة منفتحة تهدف إلى التعاون المثمر مع الدول المختلفة في جميع الميادين.


وأخيرا، فإن المغرب رجاله وأبنائه، هم دعائمه وأسسه، "فالتاريخ لم يكن يوجد لولا وجود الإنسان، وأن الرجال هم الذي يصنعون التاريخ ويعطونه معنى". وأبناء المغرب الأباة منذ الفتح الإسلامي وتأسيس الملكية المغربية، إنهم محررو الصحراء وحاملو راية هذا الوطن، والعاملون على تنميته ورفاهه وازدهاره.


إن ما أنجزه المغرب بعد الاستقلال كما يقول جلالة الملك هو مجموع تحديات "تحديات للجهل وللبؤس وللمجاعة ولعدم التطور، ولمساكن القصدير وللأمراض، وتحديات لعراقل الاستعمار، وللصراع السياسي العقيم وللفوضى". 


إن المغرب بتاريخه في قوته وشموخه وخضرة أغصانه هو "الشجرة المغربي لكل أوراقها الخضراء، وجذورها الضاربة في الأعماق هذه هي شجرة التحدي". 


إنها الشجرة المباركة، ذات الجذع العريق، وذات الثمار الطيبة، والظلال الوارفة، فنرع هذه الشجرة، ولنتعهدها كما قال جلالة الملك "شجرة التحدي التي أصلحنا في ظلها وحرثنا وبذرنا، متآزرين، متضامنين".
الملاحق:
يضم الكتاب ملاحق منها:
- ملاحظات الناشر
- شجرة نسب جلالة الملك الحسن الثاني.
- ملاحق وتشمل:
*نص معاهدة الحماية الفرنسية باللغة العربية "ينشر لأول مرة نقلا عن نسخة أصلية محفوظة بمديرية الوثائق الملكية". (52)
*مشروع دستور مغربي (11 أكتوبر 1908),
* مفاهيم ليوطي من خلال بعض مراسلاته.
* مراسلات بين جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، وبين الجنرال دوكول، وأخرى بين جلالة الملك الحسن الثاني والجنرال دوكول.
* وثيقة حزب الاستقلال يوم 11 يناير 1944.
* مراسلات لجلالة المغفور له محمد الخامس قبل المنفى إلى:
- رئيس الجمهوري الفرنسية سنة 1947.
- المقيم العام الجنرال كيوم سنة 1952.
- الرئيس الفرنسي فانسان أوريول.
هذه المراسلات كما يقول معربو الكتاب "تلقي أضواء جديدة على الأحداث التي سبقت المنفى المؤثر لعاهل المغرب وعودته الظافرة إلى وطنه المستقل". (53)
* دستور المملكة المغربية 1972.
* نص أول خطاب ملكي وجهه صاحب الجلالة الحسن الثاني إلى شعبه إثر توليه الملك في 3 مارس 1961.
* قوانين الاستثمارات.
* خطابان متبادلان بين جلالة الملك الحسن الثاني وبين صاحب الفخامة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان أثناء زيارته للمغرب سنة 1975.
***
هذه هي محاور الكتاب ومباحثه وملاحقه، حاولت قدر الإمكان تقديمها في شموليتها وهي غزارة مادتها وخصوبة مضامينها.
إن كتاب التحدي يشكل مضمونا وقالبا كتابة متميزة في فضاء سياسي واقتصادي واجتماعي، له أسسه وقواعده، كما أبرز جلالة الملك في كتابه التحدي منهج السياسة الحسنية في المجالات المختلفة رابطا الماضي بالحاضر، متشرفا آفاق المستقبل الواعد، فمن خلال الدراسات الميدانية والإحصائية والأرقام، ومن خلال التطلعات والتوجهات يتخذ كتاب التحدي مسارا جديدا في كتابة جلالة الملك، وفي فنون القول الكثيرة التي يتناولها، إنه كتاب تحليلي تاريخي انتقادي، وهو كذلك كتاب بلور نظريات سياسية عميقة تتطلع إلى بناء مغرب جديد يرقى إلى مصاف الدول المتقدمة، إنه نوع جديد من الكتابة ينم عن قدرة كبيرة على تملك ناصيتي السياسة والبيان.


وبالإضافة إلى قيمة الكتاب المعرفية والمضمونية، فإن قيمته الجمالية تتجلى في مظهرين:
- سلاسة أسلوبه، ووضح تعابيره، فهو من قبيل السهل الممتنع.
- منهجه المحكم في رسم معالم المغرب منذ الحماية إلى تحرير الصحراء.
- لقد استطاع المؤلف أن يبعث الحياة والحرارة في الأحداث والوقائع بعباراته وكلماته، وأن يلبسها رداء المعايشة اليومية وإن كانت قديمة ماضية، كما أنه في استشرافه للمستقبل استطاع بمهارة فائقة انتقاء عباراته وجمله لتكون وسيلة ناجحة وصادقة لتبليغ نظرياته ورؤاه.


كما أن الكتاب لون من ألوان الكتابة الملكية التي تتميز بالصفاء والعمق وحسن التبليغ، وذلك يدل على ثقافة واسعة وعلى فكر ثاقب، وعلى تمرس باللغة كبير، إضافة إلى فكر المنظر المسؤول عن شعب يكن له كل محبة وود وتقدير، وكما يقول جلالة الملك في آخر فقرة في مبحث أخطار المهنة: "إن شعبا بمثل هذا الوفاء القوي، يستحق أن يواجه ملكه من أجله أخطار المهنة"..

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.